12.07.2010

ثقافة النص في الرسم الكاريكاتيري



الكاريكاتير، كلمة ذات أصل إيطالي "Caricature" وتعني المبالغة والمغالاة, وفن الكاريكاتير كان دائماً وما زال نظرة تهكمية غريزية تعتمد على دقة الملاحظة وسرعة البديهة, مع نظرة تنقب عن السخرية في المواقف, من خلال تقاطيع الوجه وتعبيرات الجسد في شكل مختلف عن الواقع, ويهدف إلى الرمز في خليط من المبالغة مع الحفاظ على الشخصية والشبه في آن واحد. لعل هذه العملية المعقدة توضح أن أهم مواصفات فنان الكاريكاتير, الموهبة الخاصة جداً, والتي يعززها نوع من الذكاء والقدرة على تحليل بواطن الأشياء.

الكاريكاتير كما هو متعارف عليه, هو رسم تشكيلي ساخر, وهو نوع من الفنون يعتمد الخط واللون والظل لبناء هيكله ويعبر عن فكرة ساخرة, ومع ذلك فإن الكثير من رسوم الكاريكاتير تستخدم التعليقات الأدبية, وأحياناً النصوص الطويلة وهذه ظاهرة ليست جديدة, فهي موجودة منذ المراحل التاريخية الأولى لفن الكاريكاتير وفي أعمال فنانين بارزين مثل "دومييه" و"فودفارد" و"بوزون" و"دافنشي" و"الأخوان كراتشي" و"تنذيرد" وغيرهم.

في فترة حكم الرئيس "جاكسون" ظهرت العديد من الاتجاهات في فن الكاريكاتير، وكانت بمثابة توجيهات جديدة أهمها:

إضافة الكلمات على الرسم بلهجة الشخصية المرسومة كاريكاتيرياً في الرسم الهزلي، أو إحدى جمله المعروفة أو مقولة يرددها، وتكون (مربوطة بفمه) وهي على شكل خط دائري مقفل، لكي يعرف القارئ أن هذه كمقدمة جديدة لإدخال هذا التطور إلى عالم الكاريكاتير، ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا نجد فناني الكاريكاتير يستخدمون هذه الطريقة، ويتعاملون بهذا الأسلوب، انطلاقاً فيما أثبته من نجاعة ونجاحاً كبيراً في عالم فن الكاريكاتير، وهذا ما زال موجوداً في معظم المطبوعات الدورية في عالمنا الحديث، وأضحت ظاهرة منتشرة في أعمال الكثير من رسامي الكاريكاتير المعاصرين بينهم فناني الكاريكاتير العرب مثل رمسيس، عصام حسن، طوغان، جلال الرفاعي، عماد حجاج، وأميه جحا، بهاء البخاري، خليل أبو عرفه، محمد الزواوي، محمود كحيل فجميعهم اعتمد النص. ناجي العلي من جهته، اعتمد في رسومه بشكل كبير على النصوص الأدبية.

"النص" أثار خلافات بين المبدعين الفنانين والرسامين والنقاد, فعدد منهم عارض بصورة حازمة استخدام الكلمات أو التعليق في الكاريكاتير وعدد آخر لم ير في ذلك ضرراً, وجاءوا بالبراهين ليثبتوا صحة وجهة نظرهم, مؤكدين أنها (الكلمة), تعطي أهمية للكاريكاتير وتجعله ينجز وينفذ هدفه بشكل أسرع وبالتالي تصل الفكرة للقراء بشكل سلس.

رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات يرى بأن الكاريكاتير من الضروري أن يعتمد على الخطوط (الغرافيك) ويقول: "نحن نفهم الإنسان الذي يمتلك السيطرة على الريشة والألوان, لماذا إذن إدخال الكلمة في الرسومات؟ هذا يعتبر عصيان, ويعتبرها نوعاً من العكاكيز يتكئ عليها الرسام غير القادر على إيصال مضمونه إلى الجمهور بواسطة أدوات التعبير التشكيلية فقط، هذا يعني أن الرسوم الكاريكاتيرية وحدها تستطيع بخطوطها الوصول لهدفها وإيصال ما تريده من معلومة للقارئ, ولا داعي لفن الكاريكاتير أن يتجه للكلمة.

ويؤكد أن الكاريكاتير في أساسه رسمة واضحة المعالم ولا داعي للكلمة أو أي من النصوص, وإذا كانت هناك كلمات ولا مناص من تدوينها فهذا يعتبر ضرورة يجب أن تكون جزءاً من الرسمة وليس تعليقاً عليها.

الكاريكاتير في المطبوعات، يخدم أحد أشكال مهام نشاط الأدب الاجتماعي، وكذلك مهام الصحيفة بشكل خاص, فالبوستار أو الصورة التصويرية، هي إحدى الوسائل الدعائية السياسية أو الاجتماعية والتي يُعمل بها بشكل واسع النطاق في العالم أجمع.

الكاريكاتير ليس صدفة يلتقي مع الغرافيك في الصحيفة بالتحديد, كنوع خاص من أنواع الفن التصويري, فهو ذو تركيبة لفظية غير مألوفة, تتضمن قضية عادلة, فمفهوم الغرافيك في الجريدة يخدم الفن ككل ويلبي حاجته وطبيعة الصحافة بمطبوعاتها الدورية.

أما "بوليفوى" فقد استمر للأمام متأثراً بفعالية الأدب الاجتماعي والتصويري في المطبوعات الدورية ويقول: "لا تختلفان وسيلتا الرسم والتصوير عن بعضهما، وممكن أن يكون الرسم فقط لزخرفة النص, ويرى أن الرسم والنص ممكن أن يخرجا منسجمين دون جدال وممكن في نفس الوقت أن يخلقا جدلاً حاداً, وهذا ممتع وجميل".

نستخلص من هذا الجدل أن رافضوا النص ينطلقون من واقع أن فن الكاريكاتير: هو فن تشكيلي ويجب ألا يعتمد على أدوات غير تشكيلية لإيصال مضمونه إلى الناس, أما أولئك الذين لا يرون ضيراً في استخدام النص الأدبي فإنهم يشيرون إلى التبعية الثنائية لفن الكاريكاتير, (التشكيلية والصحفية), وبالتالي فهم يبررون وجود التعليق في الكاريكاتير على أساس أن الكاريكاتير بهويته الصحفية إلى جانب هويته التشكيلية يمكن أن يستخدم أدوات التعبير غير التشكيلية للوصول إلى أهدافه الموضوعة, فهو ليس رسماً منفذاً للوصول إلى غايات جمالية, والناحية الجمالية ليست الهاجس الرئيس للكاريكاتير, وإنما له غاية أخرى قد تكون سياسية أو تعليمية أو ما شابه من الغايات, وللوصول إليها فلا مانع من استخدام ما يراه الفنان مناسباً.

الفن التشكيلي الصحفي:

وهكذا فإن منبع الخلاف هو هوية الكاريكاتير وانتماؤه, ولكي نحدد موقفاً من هذه الظاهرة فلابد من البحث عن الهوية الحقيقية له. إن جميع التعريفات لفن الكاريكاتير في الموسوعات والمعاجم، تؤكد أن الكاريكاتير هو فن تشكيلي, يستخدم المبالغة والتضخيم للحصول على رد فعل عكسي كوميدي, إذاً فالكاريكاتير هو فن تشكيلي بالدرجة الأولى, ولا أعتقد أن هنالك من له على هذا اعتراض, ولكن هل تكفي التعريفات لاتخاذ قرار قاطع بانتماء الكاريكاتير؟ بالطبع لا.

فالكاريكاتير إضافة إلى كونه فن تشكيلي, فإن له الكثير من الخصائص الأخرى التي تجعله لا يقتصر عن هذا التعريف فالمكان الأساس لالتقاء الرسم الكاريكاتيري بالمشاهد هو الصحافة بمختلف أنواعها، حتى إذا كانت المعارض هي مكان لمثل هذا الالتقاء، فإن الرسوم المشارِكة في المعارض غالباً ما تكون قد نشرت في صحف ما وإن كانت لم تنشر فإنها عبر هذه المعارض تجد طريقها إلى صفحات دوريات ما, وحتى إذا قمنا بإحصاء لعدد رسوم الكاريكاتير المنشورة في الصحف، لوجدنا أن العدد في الصحف يفوق العدد في المعارض بدرجة كبيرة, وعادة ما تكون هذه المعارض مشكَّلةً من مختارات من رسوم فناني الكاريكاتير ولا تستوعب كل إنتاجهم, وهكذا فإن الانتماء الصحفي للكاريكاتير لا يقلل من انتمائه للفن التشكيلي, 

وبالتالي فإنه يمكن التأكيد أن لفن الكاريكاتير هوية ثنائية، (تشكيلية وصحفية) وهما لا تتعارضان, فالصحافة بحد ذاتها: هي مساحة لنشاط عدد كبير من الفنون ومن بينها عدة أنواع من الفنون التشكيلية مثل الملصق والصورة والكاريكاتير وغيرها من الفنون الأخرى, ويمكن القول إن الصحافة تعتمد في نشاطها على قطبين هما أداة التعبير التشكيلية وأداة التعبير الأدبية, وقد تتفوق هذه هنا, وقد تتفوق الأخرى هناك, وإن كانت الأداة الأدبية هي الأساسية في الصحافة منذ نشوئها, فإن الأداة التشكيلية في بعض الصحف في عصرنا الراهن تتفوق على الأداة التعبيرية, وعلى سبيل المثال لا الحصر (صحف الأطفال), ألا تتفوق فيها أداة التعبير التشكيلية على أداة التعبير الأدبية!, وهكذا فإن انتماء الكاريكاتير إلى الصحافة كما قلنا لا يتعارض مع انتمائه إلى الفن التشكيلي, ويمكن تسميته بـ (الفن التشكيلي الصحفي).

وبهذا الشكل فإن وجود الكاريكاتير في الصحافة يفرض عليه تنفيذ أهداف محددة, وبالتالي استخدام أدوات محددة قد تكون أدوات تعبير أدبية (تعليق أو نص أدبي مطول أحياناً) وهذا باعتقادنا لا يقلل من أهمية الرسم الكاريكاتيري، إذ أن النص الساخر بحاجة إلى مهارة ليست بأقل من المهارة المطلوبة في الرسم التشكيلي الساخر, وبالتالي فإن نجاح الرسم الكاريكاتيري أو هبوط مستواه برأينا غير مرتبط بوجود التعليق أو النص الأدبي أو بعدم وجوده, فالكثير من رسوم الكاريكاتير الخالية من التعليق الأدبي تعتبر رسوماً غير ناجحة لأنها لا تصل إلى المستوى المطلوب من السخرية, أي لا تحصل على تجاوب ساخر أو كوميدي لدى المشاهد, حتى وإن كانت منفذة بمهارة فنية تشكيلية عالية, فالأساس في الكاريكاتير هو السخرية, وإن غابت السخرية غاب الكاريكاتير, وهذا ينطبق على النص الأدبي في الكاريكاتير إن وجد هذا النص, وإذا رأى الفنان أن الحصول على التجاوب المذكور بحاجة إلى نص أدبي فإن هذا باعتقادنا ليس نقصاً في الكاريكاتير, وإنما إتقان لنوعين في الفنون الساخرة هما السخرية التشكيلية والسخرية الأدبية والمهم هنا, أن يختار الفنان النص المناسب الموفق والمطلوب, أما إذا كان هذا النص حشواً أو شرحاً للرسم فإنه بالطبع "عكاز" وهذا العكاز لا يؤدي الوظيفة المطلوبة.

أما الاتهام العام والنظرة الفوقية تجاه الأدب الساخر، فإنها برأينا غير صحيحة لأن جميع الفنون تؤثر ببعضها البعض, ومثلما استخدم الأدب الساخر الفنون التشكيلية, فإن الفن التشكيلي الساخر كان لابد له أن يستخدم الأدب, وهل يمكن القول أن أعمال "سرفانتس" و"غوغل" و"دانتي" و"بلزاك" وبعض أعمال الشاعر الكبير محمود درويش وغيرهم تعكزت على الرسوم الساخرة التي رافقتها؟

لا بكل تأكيد, بل إن أعمال الأدباء والشعراء أعطت دفعاً لفن الكاريكاتير نفسه, وكانت تصل إلى الجمهور بدون الرسوم المرافقة, ولكنها إنما استخدمت هذه الرسوم لكي تفعّل مضمونها الكوميدي أكثر والكلام نفسه ينطبق على الكاريكاتير.

وبالتأكيد فإن الرسم الكاريكاتيري الذي يستغني عن النص الأدبي هو رسم فائق المهارة وهو صاحب الصدارة بين أنواع الرسوم الكاريكاتيرية, لأنه عدا عن اعتمداه أداة تعبيرية واحدة (التشكيلية) فهو أيضاً ذو جمهور أوسع، إذ أنه قادر على الوصول إلى أوسع الفئات بغض النظر عن لغاتها, وبالتالي فهو عالمي, إذا خضع لاعتبارات أخرى طبعاً, مثل التركيب النفسي العام لدى البشر جميعاً, وعدم اعتماده على خصائص إثرائية غير مفهومة لباقي البشر, وحتى لو لم يصل العالمية, فهو مفهوم في جميع أوساط وفئات البلد الواحد إذ أنه قادر على الوصول حتى إلى الفئات الأمية من البشر.

ودفاعنا عن وجود النص الأدبي في الرسم الكاريكاتيري لا يعني أبداً الهجوم على الكاريكاتيري الخالي من النص الأدبي, وإنما أردنا القول إنه لا فارق إن كان هناك نص ذو بنية ساخرة متقنة, ومنفذة بمهارة مستخدمة من باب التفعيل لا من باب العجز, وهذا ما يستطيع القارئ تحديده دون بذل جهود خاصة وإلا فإن النص الأدبي ضعيف المستوى هو ليس عكازاً, يتعكز عليه الرسم وإنما يكون ثقلاً على ظهره.

وعلى أساس تواجد النص الأدبي في الرسم الكاريكاتيري أو عدم تواجده يمكن تصنيف عدة أنواع من الرسوم الكاريكاتيرية وهي:

1- كاريكاتير بدون النص:


وهو يعتبر من أهم أنواع الرسوم الكاريكاتيرية, إذ يعتمد في تصوير المضمون وإيصاله إلى الجمهور, على أدوات التعبير التشكيلية فقط, دون استخدام أي نوع من أنواع التعبير الأدبي، وبعض من هذا الرسم الكاريكاتيري ترافقه عادة جملة (بدون تعليق) التي يؤكد بعض الفنانين، أنها بمثابة التعليق الأدبي الضروري حتى للكاريكاتير الذي يخلو من العبارات الأدبية, اختلف معهم النقاد والمبدعين قائلين: هم بالطبع غير محقين في رأيهم لأن الكثير من الصحف لا تستخدم مثل هذا التعليق وحتى في حال حذفه فإنه لا يغير من الأمر شيئاً.

وكمثال على هذا النوع من الرسم الكاريكاتيري يمكن الإشارة إلى لوحة للفنان الليبي محمد الزواوي الذي صور امرأة فقيرة تحمل طفلها وتمد يدها حاملة وعاء في إشارة إلى التسول، في حين يقف رجل غني تسيل دموعه في ذاك الوعاء, وفي خارج إطار اللوحة مكتوب (عواطف حارة), ورغم وجود التعليق فإن الأمر لا يتغير في حال حذف التعليق. ومن الجدير ذكره أن عبارة (بدون تعليق) هي تقليد في الصحف لا أكثر.

مثال آخر، لوجه الفنان على فرزات والتي جسّد خلالها أنواعاً من الحيوانات وهي تمعن النظر بمشاهدة بني البشر وهم يقتلون بعضهم بعضاً على شاشة تلفاز، وهم يبدون تعجباً واستغراباً مما يحدث، في حين لم تحتوي اللوحة على أي من النصوص أو حتى عبارة بدون تعليق.

2- كاريكاتير مع نص تعريفي:

وهو رسم يعتمد على الأداتين, أداة التعبير التشكيلية وأداة التعبير الأدبية، وفيها يرفق الفنان النص للوحة, للتعريف بشخصية ما، تكون معروفة للجميع كرئيس وزراء مثلاً أو ملك ما أو وزير خارجية... الخ, ويسمى هذا كاريكاتير "الصورة الهزلية" أو كاريكاتير "البورتريه". ولتلاعب فنان الكاريكاتير، يقوم بإدخال خطوط هنا وخطوط هناك, تغيّر شكل الأنف مثلاً أو الفم أو تقطيعات الوجه, وهنا يخاف فنان الكاريكاتير من عدم معرفة المشاهد للشخصية المرسومة, فيقوم بكتابة (نص تعريفي) يحمل اسم صاحب الصورة, مما يضعف اللوحة حتى في نظر الفنان نفسه.

بعض الفنانين يظهرون عيوب الوجه "البورتريه" بإضافة خطوط تجعل الأنف طويلاً أو عريضاً, وينقص خطوطاً ليجعل الأسنان الضاحكة مثلاً غير مكتملة.. الخ, ليخرج برسمه متقنة يستطيع الجميع معرفة الشخص المرسوم, وبالتالي لا داعي لتعريف صاحب الصورة هنا. وكمثال على هذا النوع الكاريكاتيري يمكن مشاهدة لوحات عديدة للفنان السوري حسن ادلبى المتخص في رسم الوجوه "البورتريه", وكذلك فنانين عرب مثل أحمد طوغان, وأميه جحا وخليل أبو عرفة وجلال الرفاعي وحميد قاروط، فقد استخدموا هذا النوع.

3- الكاريكاتير مع النص التعليقي:

هذا النوع من الرسم الكاريكاتيري يعتمد التعليق الأدبي الذي يوضح مضمون اللوحة, ويعتبر عنصراً ثابتاً في اللوحة, ويجب عدم الخلط هنا بين التسمية (أسماء الأشياء الثابتة الداخلة في أصل الرسم كما هي في الواقع) والتعليق الذي لا يؤثر وجوده على مضمون اللوحة, بمعنى أن حذف التعليق فإنه يؤثر على وصول مضمون الرسم إلى القراء, أما التعليق الذي نقصده فهو ذلك التعليق الذي بدونه تصبح اللوحة غير مفهومة أو قابلة للتأويل.

مثال على ذلك, تلك الرسمة للفنانة أميه جحا, والتي توضح خلالها الظروف السياسية الصعبة التي يواجهها المسافرون عبر معبر رفح البري, فقد صورت الفنانة لوحة جسدت خلالها الأسرة الفلسطينية المستورة الحال (بملابسها المرقعة) وهي تقرأ يافطة كتب عليها: نصائح الجانب الفلسطيني في معبر رفح, وقسمت هذه النصائح إلى أربعة, استخدمت خلالها اللهجة العامية, النصيحة الأولى: ادفع لنا مئات الشواقل... واخلص من المشاكل, 
والثانية: كلما دفعت أكثر... كلما زادت فرصتك بعدم المبيت في المعبر, 
والنصيحة الثالثة: ادفع بالدينار أو الدولار... واخلص من الأدوار, 
ورابعاً: ادفع ولا تدع الفرصة تفوت... تسافر لتُعَالج أو تبقى لتموت.

هذا الأنموذج لا يمكنه إطلاقاً الاستغناء عن النص فالأداة التشكيلية متقنة, إذن اللوحة شكلت واقعاً سياسياً واجتماعياً صور حياة الفلسطينيين المعذبين عبر المعبر (رفح), مع تضمنها روح الكاريكاتير, والنص هنا لم يكن خالصاً فقد غرق في الرسم, فالكلمة والرسمة يجب أن يكملا بعضهما, ويحققا المساواة في الفعالية والحيوية ومراعاة قوة النص الذي عليه أن يعكس ثقافة الفنانة وإطلاعها ومعرفتها, ويجب أن تحمل اللوحة نظرة تهكمية أو سخرية أو حدة، علماً بأن التعليق الصائب والجاد للفنانة يكشف بجدارة عن التناقضات الداخلية والخارجية في المجتمع.

منذ النصف الثاني من القرن العشرين, عندما عقدت هيئة تحرير مجلة "كراكاديل" الروسية الكاريكاتيرية اجتماعات سميت بالغامضة, شارك فيها رسامون وأدباء ونقاد وهجائيون, وكان محور هذه الاجتماعات التفكير في موضوعات الكاريكاتير, وخرجوا بعد تفكير مضنٍ بتسمية "مقترح النص" وهو الشخص الذي عليه أن يفكر في موضوع يحاكي الواقع ويشرح للفنان ما يجب عليه عمله, وهذا في الحقيقة هز الكثير من الفنانين والباحثين الذي وقفوا بدورهم ضد هذه الفكرة ورفضوها قطعياً واقترحوا الاستغناء نهائياً عن (مقترحي النصوص), بل واعتبروا الموضوع ظاهرة غير مقنعة وهي شكلية وصدفة قديمة, ويعتبرون بأن الرسم يعتبر منتهياً بظهور ونضح أفكار الفنان ذاته, وإذا لم يفكر الفنان بالنص لوحده، فهو لا يعتبر فناناً بل مهني أو حرفي، أو بمعنى آخر (إله).

المفهوم الحقيقي ليس التفكير في الموضوع من قبل (مقترح النص) فقط, وإنما هذا يحتاج إلى تحويله بطريقة فكاهية ظريفة غير منتظرة, مع عمق يكشف ماهية وجوهر الموضوع المقترح, وضرورة وجود اقتران غير متوقع مع عمق يكشف ويفضح جوهر الظاهرة.

الأفكار الهجائية تعتبر جنين فن الكاريكاتير, ولا شك أن (مقترح النص) هو الأول الذي يضع مفهوم التألق من خلال المتناقضات, ولكن هذا التألق والإشراق عديم الثبات ودائماً متزعزع, (مقترح النص) يرسم طريق الحل, والفنان يتلقاه.

نعتقد بدورنا أنه ليس بمستطاع كل فنان أن يكون رساماً كاريكاتيرياً، لأن رسام الكاريكاتير يستطيع أن يختلق موضوعات مختلفة وحساسة لرسمه الكاريكاتيري, والفنان يجب أن يكون مبدعاً لإنتاجه منذ البداية وحتى النهاية, ويجب ألا يكون بإبداعه الخارق (كمقترح النص) الذي تبقى نظرته محدودة.

4- الرسم الكاريكاتيري ذات النص الداخل في اللوحة:

هذا الرسم يعتمد على أدوات التعبير التشكيلي لأن أدوات التعبير الأدبي هنا ليست عنصراً إضافياً في الرسم, وهنا يعتبر النص من أصل الرسم, حيث تدخل فيه كعنصراً ثابتاً إلى جانب التشكيل, ويمكن القول أن العبارات الموجودة في مثل هذه الرسوم, هي أسماء الأشياء الداخلة في الرسم, مثلاً يكتب اسم مدينة ما (القدس مثلاً) أو محل تجاري (بقالة) أو (جزار) أو ما شابه فهذه العبارة موجودة أصلاً في الواقع والرسام قام بتصويرها مثل بقية الأشياء, ومن هنا فإن هذا النوع من الكاريكاتير يعتمد بشكل كامل على أدوات التعبير التشكيلية وليس رسماً مركباً.

مثال على ذلك, لوحة الفنان بهاء البخاري والتي يحمل فيها أبو العبد (الحجر) و(النكيفة) في حين يوجد الكثير من القباب الشبيهة بقبة الصخرة إلا أن شارة على شكل يافطة كانت توضح باللغتين العربية والإنجليزية كلمة (القدس) وطرف اليافطة على شكل سهم, في حين تنظران عيني أبو العبد باتجاه السهم.

وكذلك في لوحات فنية كثيرة لنفس الفنان ففي لوحة (اصطدام لحضارات في رمضان) رسم البخاري المطبخ العربي وهو يحتوي على صناديق يحملها أطفال أبو العبد مكتوب عليها (تمر) و(قطايف) وهو يحمل (فلافل) في حين ينتظر طباخوا المأكولات الشهيرة الغير عربية (كالهمبورغر) وغيره، الزبائن الذين لن يأتوا في هذا الشهر الذي تشتهر فيه الأطباق العربية بكل ما تشتهي الأنفس ويعفوا عن تناول الوجبات السريعة.

5- الكاريكاتير المرافق للنص:

وهو الرسم الكاريكاتيري الذي يعتمد في إظهار مضمونه على نوعين من أدوات التعبير (التشكيلية والأدبية) وفي هذا النوع من الكاريكاتير, يشكل النص الأدبي والرسم التشكيلي وحدة متكاملة, بحيث لا يمكن أن يعبر الواحد منها عن نفسه في حال حذف الآخر, وقد يكون النص الأدبي حواراً بين أبطال اللوحة أو جملة على لسان أحد أبطال اللوحة أو حتى نصاً مطولاً, أو حتى حوار بين بطلين في اللوحة, وقد اشتهر في مجال استعمال النص الأدبي المطول وأحياناً الأشعار الشعبية الفنان الشهيد ناجي العلي.

ومن الأمثلة على هذا النوع نورد رسم للفنان العلي, فنجد في اللوحة حنظلة يسأل كاتباً صحفياً متواضعاً: "مقالتك اليوم عن الديمقراطية عجبتني كثير, شو عم تكتب لبكره"؟ ويجيب الكاتب الذي يضع أمامه أوراق ويمسك قلماً "عم بكتب وصيتي"!.

أما في الكاريكاتير المصري فيسود الحوار حيث أن معظم رسوم الكاريكاتير المصرية عادة ما تكون مرفقة بالنص , في حين نرى الكاريكاتير السوري نادراً ما يستخدم الحوار والتعليق الأدبي, وما لوحات الفنان السوري الشهير على فرزات إلا تأكيداً لذلك, وهذا طبعاً ليس تصنيفاً وإنما انطباع عام من خلال الإطلاع على عدد كبير من الرسوم المتوفرة.

إن استخدام النص الأدبي في الرسم والتذكير بأن دخول النص يجب ألا يحجب التشكيل ويدفعه إلى مكانة ثانوية, ولابد من وجود التوازن بين الاثنين بحيث لا يصبح الكاريكاتير غير ذي أهمية ووجوده كعدم وجوده, ففي حال أمكن الاستغناء عن التشكيل في الرسم الكاريكاتيري, والاكتفاء بالنص الأدبي للوصول إلى مضمون الرسم أو المادة المقدمة, فإن هذه المادة لا تنتمي إلى الكاريكاتير ولا يمكن تسميتها كاريكاتيراً لأن التشكيل فيها أدخل كعامل مساعد ليزيد فاعلية هذه المادة ويعطيها دفعاً, ويمكن القول أن مثل هذه المادة تنتمي إلى الفنون الأدبية الساخرة أكثر منها إلى الكاريكاتير, لأنها قادرة على الاكتفاء بالنص الموجود والوصول إلى الجمهور بدون التشكيل, أما إذا حذفنا النص الأدبي, فيبقى التشكيل خطوطاً تائهة لا معنى لها, هذا بالتأكيد ليس كاريكاتيراً.
ولهذا فإن على رسام الكاريكاتير أن يؤسس عمله تشكيلياً في البداية ثم يبنيه أدبياً بحيث يحصل على التوازن المطلوب وإلا فإنه سوف ينتج نصف كاريكاتير ونصف أدب, ما يمكن تسميته (كلمكاتير)، فالنص الأدبي المنوه إليه رغم أنه يصل إلى القارئ فإنه يبقى بعيداً عن الأشكال الراقية من أشكال الأدب الساخر وإذا انتمى إليها فهذا لا يعني أنه شغل مرتبة متقدمة بينها.

الرسم الكاريكاتيري ذات النص الخارج عن اللوحة:

وفيه تكون اللوحة الكاريكاتيرية والنص منفصلان غير متصلان متقاربان في الموقع عند إخراج المطبوعة, مكملان لبعضهما البعض. يشترك الكاتب والرسام في معالجة قضية معينة, يرسم خلالها الفنان بغض النظر عن احتواء لوحته نصاً ملازماً أم لا، ويكتب الأديب ملتزماً الموضوع المتفق عليه، وصاحب هذا النوع هو الفنان ناجي العلي.

يقول محمود درويش "خطرت لناجي خاطرة فقال: تعال نعمل معاً (أنت تكتب... وأنا أرسم) ويضيف: كنا صديقين دون أن نلتقي كثيراً, وعملنا كثيراً... لا أعرف عنوانه ولا يعرف عنواني, وأثناء غربته في لندن, أعلن الخلاف مع الجميع وخدش الجميع بريشة لا ترحم, ولا يصغى إلى مناشدة الأصدقاء والمعجبين, إلى أن استبدل عبارتي "بيروت خيمتنا الأخيرة" بعبارة "محمود خيبتنا الأخيرة" كَلمَتُه معاتباً، فقال لي: لقد فعلت ذلك لأني أحبك ولأني حريص عليك من مغبة مما أنت مقدم عليه, ماذا جرى... هل تحاور اليهود؟ أخرج مما أنت فيه لأرسمك على الجدران!".

د. عاطف سلامة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق