12.07.2010

فلسفة "المطرقة" و"المسمار" في الإعلان الصورة أم الكلمات .. أيهما أهم إعلانيا ؟!




بدأت شركة "هيونداي" لصناعة السيارات في اعتماد اعلانات تحمل صورا لمصارعي "السومو" و"مهاتما غاندي" و"أرثر أش" ومستكشفوا الفضاء .. كما  أن  شعارها "فكر بها " أو think about it... بماذا نفكر؟ بـ"مهاتما غاندي" ؟! أنا معجب به لما أنجزه في حياته، ولكن ما علاقة "الروح العظيمة" بماركة صناعة السيارات ؟!

الإعلان اليوم يعتمد أساسا علي الانضباط البصري، ويمكن أن نشكر أو نلوم  الفيلسوف الصيني "كونفوشيوس" علي  هذا الرأي، حيث يقول : "ان الصورة تساوي 1000 كلمة"، وهو الرأى الذي يعمل به في الأوساط الاعلامية والاعلانية الأمريكية بشكل غير محدود، وقد بدأ معظم المخرجون يرون أن أعمالهم الإخراجية الإعلانية لن تكون ابداعية إلا بتطبيق هذا الرأى بصورة فريدة، حيث تأتي الكلمات في المرتبة الثانية ..


ما الأهم .. الصورة أم الكلمات ؟!يري المخرجون الفنيون أن الصورة أهم من الكلمات، في الوقت الذي يري فيه الكتاب أن الاختيار الصحيح للكلمات هو الأهم ... وكلاهما خاطيء.


فالأمر كما لو كنا نقول، ما الأهم عند بناء منزل، المطرقة أم المسمار؟ فنحن نستخدم كلاهما في عملية البناء، وأفضل مطرقة في العالم ستكون بلا فائد إن لم يكن هناك مسمار، وأفضل مسمار في العالم بلا فائدة إن لم يكن هناك مطرقة، وبذلك فإن الصورة هي المطرقة، حيث لا يمكن بناء ماركة تجارية قوية تغزو العالم بدون صورة ديناميكية قوية .


فقد جاء نجاح شركة "مولبورو" لصناعة السجائر، لتمكنها من التركيبة القوية بين الصورة والكلمات، فمنذ انطلاقها في السوق الأمريكية سنة 1953م، استطاعت أن تصبح الماركة التجارية العالمية الرائدة في صناعة السجائر .


ومكنت ماركة Marlboro من جعل شركة Philip Morris هي الشركة الأكثر نجاحا، فلو أنك استثمرت 1000 دولار أمريكي في أسهمها بنهاية عام 1953م، أي في العام الذي بدأت فيه الشركة انتاجها، فإن اسهمك  اليوم قد تقدر بـ 15.5 مليون دولار، وفي الحقيقة استطاعت شركة "فيليب" أن تكون الأعلي استثمارا من بين 500 شركة أمريكية كبري كما جاء علي صفحات المجلات، ولابد أن صورة رعاة البقر الخاصة   بـ"مولبورو" تملك هي  صورة قوية استثنائية!!


فما هوالهدف من صورة رعاة البقر "المطرقة" ؟! في الوقت الذي بدأ فيه تقديم ماركة "مولبورو" للسجائر، حين كانت كل السجائر تقدم للرجل والمرأة، كانت الاعلانات تحتوي علي صور للرجال والسيدات،  تم أخذ "مولبورو" علي محمل أنها سجائر ذكورية، حيث أنها تركز أكثر علي الرجال، وخلال 55 عاما لم تظهر صورة لسيدة مدخنة في إعلانات Marlboro .

وبالنسبة لصانعي السجائر - ممن يدركون- حاولوا التنبؤ بمستقبلهم الإنتاجي، معتمدين علي قدراتهم في استقطاب المرأة المدخنة بالإضافة للرجل، وبالكاد استطاعوا تحقيق هذا الهدف، فاليوم هناك 28% من المدخنين الرجال بجانب 22 % من النساء .


وبذلك كانت هذه هي الرسالة "الذكورية" بمثابة "المطرقة"، التي تم تصميمها لايصال الرسالة لعقول المدخنين، والتي عن طريقها تم بناء ماركة تجارية استثائية لـ"مولبورو" .


فهل تساوي الصورة 1000 كلمة ؟! كلا بدون الكلمات .. فبدونها لا تساوي الكثير


يعرض معرض Christie’s العالمي حاليا صورة "بورتريه" لـــ  Mao Zedong   مقابل 120مليون دولار للرسام Andy Warhol ، ويبلغ طول اللوحة 14 قدم، وتم الانتهاء من رسمها سنة 1973م، أي بعد تجديد العلاقات بين الصين والولايات المتحدة .. فهل تساوي بالفعل 120 مليون دولار ؟!


وما الذي يجعل شيئا مطبوعا أو مرسوما يساوي كل هذا المبلغ ؟! هل جودة الدهان أم الألوان ؟! أم لأنها رسمت علي قماش من حرير ؟ ليس هذا السبب .. بل السبب هو اسم الفنان، وهو في هذه الحالة Andy Warhol .


فهنا يتشابه عالم الفن مع عالم الأعمال،  فاسم الماركة التجارية هو الذي يعطيها القيمة، فهناك : Picasso ، Van Gogh ، Monet ، Dali  ، واسم الفنان هو ما يجعل للمنتج قيمة، وهناك : Rolex ، Mercedes-Benz ، Apple ، Lexus، Marlboro .


إن عملية بناء الماركة التجارية تتكون من عدة خطوات، لكنها لا تبدأ بالصورة .. بل تبدأ بالكلمات، فقد استطيع رسم 1000 لوحة لـ"ماو زيدونج"، ولا تساوي احداها أي شيء..لماذا ؟!


"آل رايس".. ماذا  يساوي هذا  الاسم  في  عالم الفن ؟! .. لا يساوي شيئا، ولكن ضعه علي غلاف كتاب .. سيبيع الكتاب الكثير من النسخ،  ليست بالملايين ولكن بالألاف علي أية حال !!


ما السؤال الأهم  .. الذي يجب أن يسأله المسوق؟
أهم سؤال يجب أن يسأله المسوق ..ما هي الكلمات ؟.. ما هي الرسالة الشفهية التي نحاول ايصالها لزهن المستهلك ؟


وهذا هو "المسمار"، وهو ليس بذات أهمية أقل من "المطرقة"، ولكن "المسمار" هو القرار الأول الذي يجب أن تتخذه الشركة، وقد يصب المخرج جام تفكيره وتركيزه علي بعض المؤثرات البصرية، دون التفكير في الكلمات، وإن كانت "المطرقة" أو "الصورة" ستدق "المسمار" الصحيح "الكلمة"، ولكن أحيانا ما يوجد بينهما انفصال، فلو كان اسم "مولبورو" اسما انثويا، لما أعطت صورة رعاة البقر "المطرقة" التأثير الايجابي .


وفي عملنا كاستشارين إعلانيين، دائما ما نجد أن الشركات تقع في خطأ الفصل بين "المطرقة" و"المسمار"، فغالبا ما يقرر شخص ما في الشركة بعض الكلمات، والتي من المفروض أنها تصف المنتج، ثم يقوم بإرسالها إلي  وكالة الدعاية لتحويلها إلي صورة، وبذلك تقوم الشركة بإنتاج الكلمات العظيمة، وتقوم الوكالة بإنتاج صورة عظيمة، إلا أنهما لا يلتقيان .


قد يقييم المسئول التنفيذي عن الاعلان صورتين لإعلانيين : "آه .. جميل .. يعجبني شكل هذا الإعلان"، رغم أنه نادرا ما يكون الجمال هو الطريق الوحيد إلي "المطرقة" القوية أى "الصورة الجيدة" .


من أفضل الماركات التجارية تأثيرا في هذا المجال  Roach Motel، فكلمات الإعلان هي " Roach check in, but they don’t check out"، ويمكنك تخيل ما هي الصورة .


فلا يجب علي المدير التسويقي للشركة اختيار الكلمات، دون معرفة ما قد تكون عليه الصورة، فإن كنت تحاول اختيار تعبير مثل الجودة، فإنك سرعان ما ستجد أنه ليس هناك صورة "مطرقة" لدق هذا "المسمار" أو تعبير "الجودة"، فالجودة تعبير "مجرد"، مثلها مثل تعبير خدمة العملاء والصيانة وأعلي قيمة للبيع ... الخ.


فتعطي  لـ"المطرقة" أو الصورة تأثيرا قويا، عند استخدامها في شكل بسيط، وكمثال علي ذلك ماكينة الحلاقة Mach3 ثلاثية الشفرات، وماكينة الحلاقة Fusion خماسية الشفرات التي قدمتها Gillette .


وفي حالة فشلك في ايجاد صورة "مطرقة" لدق الكلمات "المسمار"، فإن الاستراتيجية الاعلانية ستنهار برمتها، وهناك استثناء واحدا لهذه القاعدة العامة، إذا كانت ماركتك التجارية هي الأولي من نوعها، فإن لديك الفرصة الذهبية لخلق "مطرقة" أو صورة قوية لمنتجك، واحتلال مركز الصدارة في هذا المجال، فهناك "كوكاكولا" في صناعة الكولا، التي حصلت علي هذه الفرصة لصنع صورة سهلة التذكر، حيث يمكن تمييز شكل ماركة "كوكاكولا" بسهولة علي مستوي العالم، فيما لم يحالف الحظ الماركات التجارية اللاحقة كـــ "بيسبسي كولا" مثلا .

وتعتبر ماركة "مرسيدس" هي الماركة الأولي من نوعها، والتي استطاعت اقتتاص فرصة اختيار النجمة الثلاثية، التي تعرف علي مستوي العالم بأنها رمز الفخامة، وتعتبر ماركة "نايك" من أنجح ماركات الأحذية الرياضية، والتي ابتدعت علامتها التجارية "صح"، والتي لا تعتبر صورة جذابة، إلا أنها أصبحت علامة تجارية معروفة علي مستوي العالم .

قد لا تهتم بعض الشركات بخلق صورة يسهل تذكرها لماركتها التجارية الجديدة، خاصة عندما تكون الأولي من نوعها، وعلي سبيل المثال "آبل" iPod والذي يعتبر من أنجح وأفضل مشغلات موسيقي mp3 في القرن الحادي والعشرين، لم تهتم "آبل" بتخليق شعار "صورة" خاص بمنتجها الجديد الذى قد يدوم لعصور وعصور عندما سنحت لها الفرصة بذلك، وهناك كذلك Prius التي تعتبر الأولي من نوعها في صناعة السيارات الهجين، و Scion والتي تعتبر الأولي من نوعها في صناعة السيارات الشبابية، حيث استخدمت كلتا الشركتين شعارا عاديا، في الوقت الذي كان بامكانهما استخدام شعارا جديدا مميزا يسهل تذكره .
 
بالطبع ليست الصورة فقط هي المهمة .. بل أنه يجب ربطها بالكلمات القوية، حيث سيعملان مع بعضهما البعض، وبذلك تكون قد امتلكت "مطرقة" قوية و"مسمارا" حادا، وستكون النتيجة مذهلة .



بقلم : آل رايس 
26/10/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق